مفهوم الشكل:

يعرف الشكل : صورة الشيء المحسوسة او المتوهَّمة ويراد به غالباً ما كان من الهيئات وملاحظة أوضاع الجسم كالاستدارة والاستقامة والاعوجاج , ويأتي بمعنى المِثل والنظير , والشَاكِل الشبه , يقال فيه شُكلة او شَاكِلٌ من ابيه (معلوف ,  ص 398 ) . والمعنى الظاهر من الجسم الذي ترجع اليه جميع الصفات المحسوسة مثل التشابه والاختلاف القادم من نسبة الأجسام بعضها لبعض.

اسُتخدمت كلمة الشكل بمعاني متعددة في تاريخ الفلسفة وعلم الجمال , ظهرت بداية  مع أفلاطون عندما استخدم تعبير   Eidosكمصطلح  ميز فيه الحقيقة الدائمة للشيء Thing   , التي تعطي الجواب عن السؤال الجوهري" What it is " ( Barnes ,  ،p54. ) فالشكل هو الهيئة الخارجية الظاهرية التي تتشكل منها الأجسام :

“Form is the external  shape , appearance , or configuration of an object”

وعلى اختلاف التعاريف وتعددها فالشكل يعد المظهر النهائي للهيئة الكلية المؤلفة في كيانها الاساس من مجموع الاجزاء المختلفة والتي ترتبط فيما بينها بعلاقات لوتغيرت لامكن تغيير الشكل الى آخر .

الشكل في التصميم  الداخلي :

يرى Ching  بأن الشكل هو عملية تجميع وتركيب عدد من العناصر بطرق وعلاقات معينة تنتج من خلالها التعبيرات ويصبح الشكل بدون اي معنى الا عندما يرتبط بمهام معينة ، فالشكل التصميمي يرتكز على ابعاد شكلية اضافة الى ابعاد عملية وسمانتيكية 0( ching.p.131)

في حين يقدم (كان ) مفهوما للشكل يميزفيه بين الاشكال، ويعني الشكل عنده الرغبة في الوجود ، وهي رغبة موجودة في كل الاشياء وتعبر عن نظامها ، بينما يعرفه  (بونتي ) بكونه كل لايمكن ان ينخفض الى مستوى مجموع اجزائه ، فهو الكل الذي هو اكثر من مجموع اجزائه باعتبار ان اجتماع الاجزاء ينتج جديدا سواها ، وذلك هو الشكل ( ميرلو بونتي ، ص186)، فالفضاء الداخلي ماهو بالاساس الا اتحاد محدداته الهيكلية او الانشائية وعناصره التكميلية فضلا عن ملحقاته التزينية والتي تعد الثالوث الاساس لتكوين الكل او مايسمى بالشكل النهائي للفضاء الداخلي ،

ويقول (الجادرجي ) ان الشكل هو التجسيد المادي الذي يكونه المجموع الكلي لعناصر الفضاء كما تظهر لاحساساتنا الذاتية ( الجادرجي ،ص89) ، اذ يعتبرالشكل صفة تجريدية للشئ وليس الشئ بذاته ندركه بالفعل عن طريق الحواس ، لان الشمول الذي يتصف به الشكل لايمكن ان يبنى او يكون الا في صورة مدركة ، وهذا ماحدث عند استخدام الشكل التجريدي للاعمدة على هيئة السارية في الفضاء الداخلي لفندق برج العرب في دبي حيث تم استخدام العمود بشكله المجرد المعبر عن سارية الشراع الكبير .

وبالتالي فأن الشكل يمثل مجموع خصائص وعناصر ومكونات النتاج وامكاناته التي تظهر في ملامحه وحسب ظروف رؤيته وحالات ادراكه من قبل الفرد والمجتمع ، وان هذا الظهور لملامح الشكل وتجليه لابد من ان يكون له مصادر تكون مسؤولة عن ظهوره ، ومفسرة لاسباب وجوده 0

المصادر الفكرية للشكل في التصميم الداخلي :

يرى ( كليتنز ) بان المصادر الفكرية لانتاج الشكل في التصميم  الداخلي  كثيرة ومتعددة ،ولكنها تبعا للنظريات الغربية هي خمسة، على الرغم من كون الكثيرمن المنظرين من ثقافات مختلفة ولدوا تنوعا عالي من المصادر الفكرية التي انبثقت عن هذه المصادر الاساسية في فكرتها الاساسية عن الشكل (Fletcher .p.2-5) وهي :

  1. النظرية الفكرية للوظيفة :

تقترح هذه النظرية بأن انتاج الشكل التصميمي لا يكون الا تبعا لظروف المشروع ، فشكل الفضاء الداخلي الجيد يتشكل نتيجة لمتطلباته الفيزياوية والاجتماعية و النفسية                ( السايكولوجية ) والرمزية ، اي تبعا لمجموعة المتطلبات الوظيفية، وهذا مانجده في شكل الفناء الداخلي للبيت البغدادي المفتوح والذي تنتظم حوله بقية فضاءات المنزل ليشكل محورا اساسيا لها الذي جاء استجابة للمتطلبات الفيزياوية والاجتماعية والعقائدية في تلك المرحلة.

  1. النظرية  الفكرية للابداع الشخصي :

ترى هذه النظرية بأن الشكل التصميمي للفضاء الداخلي يتولد وينتج اصلا من مصادر داخلية عند المصمم ( او متعلقة بشخصيته ) او من حدسه الشخصي  ، وهذا مايسمى في اغلب الاحيان بصمة المصمم الخاصة التي تميز عمله عن بقية الاعمال ، ونجد مثالا على ذلك التصميم الداخلي لكنيسة رونشام للمعماري الفرنسي  لوكربوزية  وكيفية تصميم الاضاءة من خلال توزيع الشبابيك واشكالها وقياساتها المختلفة التي تعكس بدورها جوا خاصا اراد به المصمم ان يميز به الفضاء الداخلي لهذه الكنيسة عن غيرها من الكنائس الاخرى كما موضح في الشكل (1) .

الشكل (1) يوضح الفضاء الداخلي لكنيسة رونشامب

  1. النظرية الفكرية  لروح العصر السائدة :

تقترح هذه النظرية وجود نوع من الروحية السائدة للفضاءات الداخلية في كل عصر ، او نوع من السمات المشتركة ( البنية المشتركة ) التي من شأنها ان تشكل الفعاليات الثقافية لذلك العصر ، فضلا عن ذلك فأن قدرة هذه الروحية تتجلى في نوع من الصفات المشتركة p32) .  Eco David) ، هذه النظرية تجسدت في ظهور الفضاءات الداخلية السكنية في مدينة بغداد في تسعينيات القرن ذات الارتفاع العالي والتي تسمى double volume)) التي عبرت عن الانفتاح العمودي للفضاءات الداخلية فضلا عن الانفتاح الى الخارج بالنوافذ الزجاجية الكبيرة التي عبرت عن الانفتاح الثقافي على حضارات العالم آنذاك ، غير ان هذا الانفتاح رافقته سلبيات كثيرة  في تصميم الفضاءات الداخلية لعدم ملائمتها الواقعي البيئي المحلي .

  1. النظرية الفكرية الاجتماعية والاقتصادية السائدة :

هذه النظرية تقترح وجود نوع من اتفاق افراد ثقافة معينة على نوع من المسلمات المشتركة التي تحكم الاشكال الناتجة في تلك الفترة الزمنية ، وهذه النظرية تشابه نظرية روح العصر السائدة الا انها تختلف عنها باعتماد القوى المادية الملموسة والخاضعة للقياس اساسا في انتاج الشكل التصميمي للفضاء الداخلي (Plato,p21)، ان هذه النظرية تتطابق مع ما انتجته ثقافة الحداثة التي برزت فيها الفضاءات الداخلية بتصاميمها المبسطة وخطوطها الواضحة والتي كانت ترجمة حرفية لافكار وثقافة مدرسة الحداثة ،كما في فيلا سافوا للمعماري لوكربوزية التي عدت ترجمة امينة لفكر الحداثة التي كان المعماري من ابرز روادها  .

  1. النظرية  الفكرية للشكل المستقل :

ترى هذه النظرية وجود اشكال كونية معينة كامنة في اية تصاميم داخلية جيدة فعالة بغض النظر عن الظروف المكانية او الزمانية المحيطة بها ، احد اشكال هذه النظرية يتجلى في نظرية النمط التي تقترح اطوار معينة من التصاميم ، لابد من ان تتوفر بشكل من الاشكال في الفضاء ليرتقي التصميم الى الصفة الجيدة ، ومن اشكال هذه النظرية ، هو ما اشتق من نظرية نسب الاعمدة الاغريقية ، وكيف ان هناك نسبا جمالية موحدة ، اذا ما طبقت على اي فضاء لابد ان يكون هذا الفضاء ذو شكل جميل ، هذه النظرية طورت فيما بعد الى ما يسمى احيانا ب( نظرية عناصر التشكيل ) والتي تدرس الشكل من خلال مفاهيم اساسية مثل ( التناسب ، المقياس وغيرها 000) (antonides.p13).

الخواص الفكرية للشكل في التصميم الداخلي :

تمتلك قضايا الشكل بحسب (شولز) أهمية خاصة بالنسبة للمصمم الداخلي لانها تتعلق بالوسائل التي هي موضوع فكرته ودوره الخاص ( شخصيته ) ، اذ يقوم بواسطة هذه الوسائل بأنجاز المهمات التي عليه مواجهتها ، اذ ان الفضاء الداخلي  وفي احيان كثيرة ليس استجابة لمتطلب وظيفي او معنوي او انشائي ، وليس تأويلا مباشرا له ، بل لايصال حالة فكرية او رسالة معبرة ، وقد يتوصل المصمم الداخلي في حالات اخرى الى اولوية او تفضيل في الشكل ناتجا في الكثير من الاحيان عن مبررات ودواعي شكلية تمثل فرصة للأضافة والتحوير والابتكار ، تقيم للشكل علاقة مع امكانات النتاج في التغير بما يترك الفرصة واسعة للتوظيف ( الاسدي ،ص173)0 وهذا ما يتحقق في مرونة الفضاءات الداخلية لتغيير الشكل او اضافة فضاءات اوتحوير فعالية فضاء لاستجابتها لتحولات العصر الفكرية ، كما في تحول فضاءات العرض السينمائي الى فضاءات 6D  والتي املت عليها تحقيق الشعور الواقعي للانسان بما يجري حوله من المادة المعروضة  صوتا وصورا مجسمة ورياح ومياه وحركة .... لتحقيق متعة المشاهد ومواكبة لتطورات  فكر الانسان المعاصر  .

لذلك نجد أن اشكال الفضاءات الداخلية توفر امكانية كبيرة لتوظيف واستيعاب متطلبات الوعي الانساني ، ولايكفي النتاج ان يصبح موضوعا للوعي والادراك ، وان يمتلك شكلا وملامح ، بل ان يكون ذلك الشكل متمكنا من اجزائه في بنية الكلية لاظهار طاقاته الكامنة في استيعاب وتحقيق متطلبات التغير ، ولتجنب تقلص مستواه الشكلي الى جانب الاستخدام السلبي 0

 

 

 

الدور البنيوي للشكل في التصميم الداخلي :

تكشف مبادئ (فيتروفيوس) الذي يعد صاحب اقدم نص مكتوب في العمارة والتصميم الداخلي عن مبادئ البناء الشكلي للفضاء الداخلي  ، وكيف يمكن ان نتمكن من انجاز كلا متناسقا ومتوافقا بالرغم من تعدد أجزائه وتنوعها ، اذ دعا فيتروفيوس الى تطبيق مناسب وصحيح لهذه المبادئ والتي تركت آثارها وحضورها فيما جاء بعده من نظريات حول التصميم وبنية الشكل ، وهذه المبادئ هي :

  1. النسق Order:

الذي يمنح قياس مناسب وتوافق تماسكي لاجزاء الفضاء الداخلي وتناسباتها في الكل، ويعد النظام الاساس الذي يربط اجزاء الفضاء الداخلي .

  1. الترتيب Arrangement:

وهو يتضمن وضع الاشياء في مكانها المناسب وتطوير أناقة في التأثير ويتم التعبير عنها في المخطط والرسومات المنظورية  للفضاءات الداخلية 0

  1. الايقاع Rhythm:

الدي يقدم ملائمة وضبط في احكام العناصر وتناسب الاجزاء في الفضاءات الداخلية.

  1. التماثلSymmetry:

وهو ينجز ترتيب الاجزاء طبقا الى جزء معين يتم اختياره بوصفه مقياسا او معيارا.

  1. التناسبPropriety:

الذي يبني كمال طراز الفضاء الداخلي  في التزام العمل بمبادئ موافق عليها 0

  1. الاقتصاد Economy:

والذي يدعو الى استعمال مناسب للمواد الملائمة والى الاسلوب الصحيح في التنفيذ الانشائي لهيكلية الفضاءات الداخلية. ( Vitruvius .p 13-16) 0

ان المبادئ السابقة التي اشار لها فيتروفيوس ماهي الا اساسا ينطلق منها المصمم الداخلي مضيفا اليها من خلال فكره وابتكاراته ومواكبته للتطور التكنولوجي وحاجات الانسان المتزايدة لايجاد بيئات داخلية ملائمة لحاجات الانسان في مختلف العصور.

وجاء آخرون بعد ( فيتروفيوس ) في الاهتمام بمبادئ وبنية الشكل في التصميم الداخلي ، اذ اشار (فييل )(viel) الى مبادئ التصميم الاساسية  ( المتضمنة بنية الشكل ) في التناسب والايقاع ، كما ظهرت فكرة اخرى ذات اهمية اساسية في الفضاء الداخلي  ، وهي ذلك التكامل المتوافق للعناصر والمكونات في بنية  التصميم الكلية ، وهذا ما دعا اليه ( كولونا ) و ضرورة ان يكون هدف المصمم الاساسي،وبالتالي فأن هذه الافكار تبين بان الاهتمام بالشكل وبنيته يحيل الفضاء الداخلي من خلال اشكاله ورموزه و تعبيره الى ( لغة ) وهي تقوم ببناء مفرداتها الشكلية على وفق علاقات وقواعد معينة Eco David. p 57) ) 0

فضلا عن ذلك فأن شكل الفضاء الداخلي  يضم مخطط فكري له علاقة بكيفية بناء العناصر والمكونات وانتاج الشكل على وفق نظام معين ، كما نجده في امثلة مختلفة من النظام مثل النظام الهندسي والنظام العضوي  الذي ابدع فيه فرانك لويد رايت من خلال تصميمه (لبيت الشلال ) الذي مزج بين النظام الهندسي للهيكل البنائي والنظام العضوي الذي جعل الفضاء الداخلي للبيت جزءا لايتجزأ من الطبيعة، اذ نجد تميزا ليس فقط في البنية العلاقاتية للمكونات والعناصر في الشكل بل وكذلك في مقاصد فكرية تتحكم في الفضاء الداخلي وتنتج نظاما له دلالات معينة،اذ ان انماط العناصر والمكونات الشكلية وطبيعة تنظيمها ، هي التي تحدد اختلافها وتعددها في التصميم الداخلي  والطبيعة ، وهي كالآتي :

  1. الاشكال المنتظمة في الفضاء الداخلي  :  الاشكال الهندسية الاساسية ، اذ ترتبط عناصرها الشكلية الاساسية مع بعضها على وفق علاقات هندسية منتظمة وثابتة وتتسم بالاستقرار والتناظر ، مثل المكعب والهرم والكرة ، كما في التصميم الداخلي للمنازل المكعبة في روتردام من تصميم المعماري Piet Blom والذي يظهر من خلالها تأثير الشكل في تصميم الفضاء الداخلي وتنظيم الاثاث وتوزيعه بما يلائم فعالية الفضاء من جهة والحفاظ على خصوصية شكله من جهة اخرى ، وكما في الشكل (2 ) .

الشكل (2) يوضح المنازل المكعبة في روتردام في هولندا 

  1. الاشكال غير المنتظمة :اشكال هندسية حرة ، والتي لاترتبط عناصرها الشكلية مع بعضها وفق نظام محدد ولاتتسم بالتناظر ، وتكون اكثر ديناميكية ، وقد تجسد ذلك بصورة معبرة من خلال التصميم الداخلي لمنزل الحلزون في نيو مكسيكو المصمم من قبل Senosiain Arquitectos حيث اتخذت فيه محددات الفضاء الداخلي الشكل المرن للحلزون والذي ارتبط بدوره مع شكل وطبيعة الاثاث المستخدم للجلوس في فضاءه الداخلي والذي عزز الصلة بين الداخل والخارج ، وكما في الشكل ( 3 ).

 

الشكل (3) يوضح منزل الحلزون في نيو مكسيكو  

  1. الاشكال الممزوجة :

يتولد هدا النمط من الاشكال المختلطة عندما يتم الدمج والجمع بين النمطين السابقين ، واحيانا اخرى يتم تحويل النمط الاول الى الثاني ، كما يشير  ching الى ان النمط الاخير اصله اشكال منتظمة ، تعرضت اجزاءها ( مكوناتها ) الى عمليات اضافة او طرح فحسب  ching..p46))، كما في التصميم الداخلي لمعرض روكا في لندن للمعمارية زهاء حديد حيث يمتزج التصميم الداخلي للمعرض بحركة الماء في الخارج امتداد مع الواجهة الديناميكية ، والذي يبدو في البداية للزائر مثل مجموعة من التموجات في الحركة عبر الفضاء الداخلي  كما في الشكل (  4 ) (antonides.p25).

الشكل (4) يوضح معرض  روكا في لندن

ويمكن ان نوضح صورة اخرى للنظام الخاص بالشكل من خلال الانتباه الى حالات ولادته او تحولاته ، اذ ان مايحدث في كل فعل ابداعي ، يولد من خلال جمع مكوناته المتعددة والمتضاربة والتي هي في اضطراب ، ويقوم بترتيبها بتدخل النظام والقصد والشكل ، وان مايحدث في التصميم الداخلي ايضا هو تحول من نظام الى نظام آخر ، اذ يعتقد ( بوم ) بعدم وجود العشوائية والاضطراب لانهما نوع خاص من نظام آخر ولكن على درجة كبيرة من اللاتحديد 0 ويشير الى فكرة التسلسل الهرمي لدرجات من النظام مختلفة ، اذ ان كل مايحدث فأنه يجب ان يحدث في نظام معين ، ان قضية الفقدان التام الى النظام هي مسألة ليست ذات معنى حقيقي ، وهو يريد من العلماء ان يدركوا بأن هناك تحت كل نظام تفصيلي انظمة ضمنية مختلفة (بريجز ،ص74-75 )0

كما يقول (كان ) بان المقصود بالنظام هو ليس الانتظام والترتيب بل هو ايضا حالة تكوين معينة يمكن لها ان تخفي نظامها الضمني الكامن خلف فوضى حاضرة ومدركة ، والاهم هنا هو ان النظام الكامن المدرك في الانتظام او النظام في الفوضى انما يقدمان تضمنات فكرية كامنة ومقاصد دلالية ذات حضور وتأثير في التلقي ، اذ ان النظام الذي يبني ويؤسس المعطيات بأنساق علاقاتية في كل واحد يمثل كيفية كينونة تلك العوامل ، وهو الوحيد الناتج بفعل تداخل ابداعي يؤسس شكلا شموليا يتضمن ماهو معطى ، فيتحكم بالاجزاء ويؤهلها من خلال وجودهما في الكل الى الدخول في الوعي والتلقي من اجل ايجاد الحوار بين المدرك وقابلية تحقق النظام الكامن في التصميم 0

ان هذا النظام يؤثر في التصميم الداخلي من خلال شموليته التضمينية وقابليته التحويلية،وان التطور الناتج من تحول الوحدة الكاملة واجزائها البديلة يعني ان كل عملية تحول تعمل على تقويته في كل معنى ( او وظيفة رمزية ) ممكنة .

 

 

الشكل مجال التعبير عن الوظيفة  في التصميم الداخلي:

وفق النظريات الوظيفية فان تعبير الفضاء الداخلي عن الوظيفة يظهر من خلال الشكل وهذا بحد ذاته احد وظائف التصميم الداخلي  ، اذ يتوافق ذلك مع طبيعة التصميم في تحقيق معناها وتكوين متطلبات شكلية تتسم بالوضوح ، وتقدم فرصة لحضور التصميم الداخلي في الاهتمام الخاص بالانسان  تمكنه من التعامل مع امكانيات الفضاءات القائمة 0

يقول (ماكاروفسكي) ان الشئ ليس فقط عليه ان يؤدي وظيفة الاشياء كما تدرك ولكن مدى تأثيره في تفسيرها والتقليل من الغموض والايهام في فهم اشكالها ( mukarovsky..p236) ، اذ ان الوظيفة تعني ان على الفضاء الداخلي ان يؤدي وظيفته بشكل افضل وان يبدو ويظهر على مستوى الشكل كما لو انه يؤدي وظيفته ، فالوظيفة تمثيل لدور محوري يتبلور حوله معنى التصميم الداخلي والذي لولاه يظل العمل مبهما وغامضا 0

وقد قدم ledoux  للعمارة الحديثة فكرته الرئيسة عن الفضاء الداخلي  بوصفه اياه شيئا ما رمزي لايكون مخططه شيئا ناتجا عن وظيفته فحسب ، بل هو شئ يتم تصميمه عمدا وبتقصد لكي يعبر عن تلك الوظيفة (Collins..p25) ، كما اكد ( بوجن ) ايضا ضرورة ان تعبر كل الفضاءات الداخلية عن الغرض الذي صممت من اجله ( الدعمي ،ص278) 0

وبالتالي فأن شكل  الفضاء الداخلي هو مجال حضور الوظيفة ، ولايمكن للوظيفة ان تحضر في الفضاء الداخلي مالم يكن الشكل قادرا على ان يؤدي وظائفه ، بأن يكشف عن قدرة اجزاءه ومكوناته على اداء وظائفها ، وفي ذلك تأكيد لعلاقة الوظيفة بتغير الشكل .

فالفضاء الداخلي يحقق التغيير من خلال حضور الوظيفة الجديدة في الشكل الموجود ( الفضاء) ويكون اسهام الوظيفة في التغيير منكشفا فيما يتجسد منها في نفس الشكل ، اضافة الى ما يتغير منه نتيجة استيعاب الوظيفة                              ( mukarovsky..p240)

ان علاقة الشكل بالوظيفة ليست علاقة تبعية والتزام مباشر ، بل هي علاقة حوار متبادل ومستمر لكل منهما مع الآخر لانتاج الفضاء الداخلي ، من خلال مقترحات الشكل على توظيفه ومن خلال سياقات الوظيفة الى شكل يلائمها ، ويمكن من كل ذلك ان نتوصل الى ضرورة ابتكار وتقديم شكل تصميمي يتوفر فيه قدر من الملائمة والمرونة في استيعاب الوضع الجديد ، يجد فيه الشكل امكانية حضوره بوصفه مكونا ذا مقاصد واهداف محددة ، وتجد الوظيفة دورها حاضرا في الكشف عن قدرة الشكل في التوظيف بطريقة او بأخرى 0

لقد حاول المصممون الداخليون تقديم حلولا من خلال فضاءات تتميز بالمرونة العالية التي تسمح بتغيير اشكال الفضاءات وحجومها بما يتوافق مع احتمالات التغيير في اسلوب الاداء الوظيفي داخل الفضاء، وهذا ما فعله  ( جاري شانك ) المصمم الياباني حينما جعل شقته ب24 هيئة مختلفة من خلال الجدران المتحركة التي حينما يتم سحبها فانها تغير شكل الفضاء ووظيفته بما تحتويه من خدمات متنوعة كما في الشكل (5) .

الشكل (5) يوضح مرونة الشكل في الفضاء الداخلي

ان الوظيفة في احيان كثيرة تتطلب شروط شكلية معينة ، واننا على الدوام نمارس الوظيفة في اسلوب ما يتأثر بشكل التصميم الداخلي وهويستوعب الوظيفة ، ويكون بذلك جزءا من متطلبات الاداء الوظيفي  للفضاء ،وعلى الرغم من ان الكفاءة الوظيفية هي شئ ضروري في كل فضاء داخلي يكون تاثيره الاستخدامي فعالا ، فهناك دائما رؤيا حول كفاءة وظيفته وامكانية استغلاله ، لان الوظيفة في حقيقتها ليست لها صيغة واحدة يمكن ان تتكرر بتكرار الشكل0

حتى ان الوظائف على سبيل المثال تؤدى في المتاحف المتماثلة بطرق واساليب غير متماثلة ، بسبب تغير في شكل المتحف وملامحه بتأثير موقعه السياقي وعلاقته مع الفضاءات الداخلية المجاورة ، بما يؤدي الى تمايزات في المتاحف ناتجة من تنوع ظروف انتماءاتها البيئية والحضارية ، وهو ما يؤثر في اختلاف الاداء الوظيفي في تلك الفضاءات الداخلية المتماثلة. (Collins..p41)

ومن النماذج التي تدل على تغيير الممارسة في الاداء الوظيفي هو المسرح الشامل (لكربيوس) , والذي يمثل سحبا للمتفرج الى مركز التمثيل الدرامي بأزالة الجدران المحيطة بخشبة المسرح ليختفي الفصل الحاد بين الممثل والمشاهد وفي هذا الجانب يبرز ايضا عمل المعماري (فرانك لويد  رايت )متمثلا في مشروع متحف كوكنهام في نيويورك عام 1943 – 1959 شكل (6) ،الذي مثل ذروة اعمال Wright)) النحتية ،و ترجع فكرة المنحدر اللولبي في هذا المبنى الى عام 1952 اذ وضفها و لأول مرة في مشروع القبة الفلكية ، ففي متحف كوكنهام قلب Wright) ) شكل الزقورة التي ظهرت في مشروع القبة الفلكية من الداخل الى الخارج ، فيظهر في مبنى المتحف المنحدر اللولبي الحلزوني المستمر التدفق كمسار لزوار المعرض يمتد ويدور حول فضاء وسطي بقبة زجاجية ، وقد علق المعمار Wright)) في حينه على هذا المنحدر و شبهه بالموج غير المنكسر , حيث يتم نقل زوار المعرض بواسطة المصاعد الى الاعلى وتبدا عملية استعراض اللوحات الفنية من الاعلى الى الاسفل .(شيرزاد  , ص 24 )

الشكل (6) يوضح التصميم الداخلي لمتحف كوكنهايم

 

و تكمن اهمية هذا المعرض في اتجاهين :

الاول :  تحقيق لفكرة الفضاءات  الداخلية المبتكرة المستمرة في التدفق المفتوحة التي تمكن الزائر مشاهدة المعروضات من مسافة بعيدة الى جانب رؤيته لحركة زوار المعرض  اثناء تجوالهم في ارجاء المبنى , حيث تاخذ المنحوتة واللوحة الفنية وحركة الاشخاص دورا في هذه الصورة الدرامية المعبرة  .

الثاني : يكمن في مبدأ التناقض , حيث يظهر تناقض الفضاءا الداخلي  الشكلي والفضائي مع السياق العام للفضاء الداخلي الكلي  , الامر الذي اكسبه  بعدا حضاريا متميزا اقترب به من مكانة الفضاءات الداخلية المخصصة للعبادة في مراكز المدن 0

 


عدد القراءات: 1621